بسم الله الرحمن الرحيم

أصول الحديث

الفرقة الأولى لمعهد شيخ الإسلام العلمي

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

أما بعد.

قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]، أنزل الله U الذكر على نبيه r ليبين للناس ما نزل إليهم من القرآن ففي الآية أن الله أنزل علي النبي r شيئين: الأول القرآن كتاب ربنا، ثم أنزل لبيانه شيئًا آخر هو السنة فقال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ الذكر هنا هو السنة، ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وهو القرآن.

فالسنة وحي من عند الله كما قال تعالى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ أنزلها ربنا سبحانه وتعالى على نبيه r لتبين القرآن .

قال مكحول : «القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن»

وقال يحيى ابن أبي كثير: (السنة قاضية على القرآن، وليس القرآن بقاض على السنة) قال أحمد بن حنبل وقد سئل عن هذا الكلام : (ما أجسر على هذا ولكن السنة تفسر القرآن وتبينه). وهذا ما أراده يحيى ولكن أحمد تحاشى ظاهر عبارة يحيى ، فالقرآن حمال ذو وجوه والسنة تقضي وتحكم بين هذه الأوجه وتبين أيها مراد الله تعالى ولهذا تأتي السنة مع القرآن على حالات.

حالات السنة مع القرآن:

الحالة الأولى: أن تأتي بأحكام سكت عنها القرآن أو لم يأت ذكرها في القرآن، مثل :تحريم كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من السباع هل ورد تحريم هذا في كتاب ربنا؟ إذا قرأت القرآن كله هل تجد فيه أن الله U حرم الجوارح من الطير أو السباع ذوات الأنياب؟ لا تجد هذا، ولكنه حرام كما في حديث ابن عباس t «نهى رسول الله r عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير» .

وكذلك:تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها يحرم أن تجتمعا تحت رجل واحد، نهى النبي r عن ذلك كما في حديث أبي هريرة t «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها».

الحالة الثانية: أن تأتي مؤكدةً لأحكام القرآن، الحكم ورد في القرآن وأتت السنة تؤكده ، مثال: الله U حرم الشرك ، وحرم عقوق الوالدين ، قال تعالى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ وقال تعالى ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾هذه الأحكام أتى تأكيدها في السنة، كما في حديث أبي بكرة t عن النبي r: «أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وشهادة الزور – ثلاثا – أو: قول الزور » فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت .

الحالة الثالثة: أنها تأتي مخصصة لعام القرآن. الآية عامة، ثم أتت السنة خصصتها قول الله U ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ﴾ [المائدة: 3].

الميتة، والدم، ولحم الخنزير، الميتة بالألف واللام معرفة تشمل كل ميتة، وكذلك الدم كل أنواع الدم محرمة بنص الآية، ولكن السنة أتت وخصصت هذا العموم، فعن ابن عمر t قال رسول الله r «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطِّحال» هذان مستثنيان من حكم حرمة الميتة والدم.

كذلك في قول الله U ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: 38].والسارق والسارقة: معرفة أيضًا تشمل كل سارق.

هل كل رجل أو امرأة يسرق أو تسرق تُقطع يده أو يدها؟،«لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا» حديث عائشة -رضي الله عنها-إذن السنة خصصت بعض السارقين، بعض السارقين لو سرق لا تُقطع يده، هذا في ظاهره يخالف القرآن، رجل سرق مثلا ثمن دينار هل يجوز أن تُقطع يده؟ لا يجوز، مع أن الله U يقول ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ فالسنة هنا خصصت عام القرآن.

الحالة الرابعة: أن تأتي السنة مقيدة لمطلق القرآن في نفس الآية ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ كلمة (اليد) هنا مطلقة لم تقيد بقيد، وإذا أطلقت فقد يراد بها الكف فقط، أو الكف والساعد ، أو الكف والساعد والعضد ، أتت السنة وقيدت هذا الإطلاق فقطع النبي r من الرُّسغ من مفصل الكف فالقطع لا يكون لليد كلها إنما يكون للكف فقط.

وكذلك قول الله U في آيات الميراث ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]. كلمة الوصية هنا مطلقة لا قيد لها، تشمل كل وصية، يجوز بنص الآية أن توصي بمالك كله أو بنصفه، أو بثلثه، أو بربعه كما تشاء، ولكن السنة أتت فقيدت هذا الإطلاق فقال النبي r في حديث سعد بن أبي وقاص t«الثلث، والثلث كثير» فلا تجوز الوصية بأكثر من الثلث . وهناك قيد آخر قال النبي r «لا وصية لوارث» فلو كانت الوصية للوارث لا تنفذ، فهذه قيود لم يأت ذكرها في القرآن وإنما علمناها من سنة النبي r.

الحالة الخامسة: أن تأتي السنة مبينة لمجمل القرآن، أكثر أحكام القرآن وردت مجملة لا ندري صفتها ولا كيفيتها إلا من سنة النبي r فقال تعالى﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ كيف نصلي؟ كيف نزكي؟ لا ندري ليس ثَّمّ بيان في القرآن لكيفية الصلوات، ولا لأنصبة ومقادير الزكوات، ولكن النبي r قال كما في حديث مالك بن الحويرث t: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقال في الزكاة «فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» فالأحكام المجملة في القرآن ورد تبينها وتفصيلها في السنن.

الحالة السادسة: أن تأتي السنة مفسرة لمبهم القرآن أو لمشكل القرآن، لما نزل قول الله U ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]. شق ذلك على المسلمين، فقالوا يا نبي الله أينا لم يظلم نفسه؟، فهم الصحابة من الآية الظلم بمعناه الواسع، الذي يشمل كل الذنوب والمعاصي فمن المعصوم؟ فمن الذي نجا من الظلم؟ فقال النبي r «ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13]». إذن الظلم هنا ليس أي ظلم إنما هو الشرك، وليس المعاصي والذنوب.

مكانة السنة في نفوس صحابة النبيr

لما كانت لسنة النبي r هذه المكانة كان من دأب الصحابة أنهم يلزمون النبي r يتعلمون منه السنن لأن فيها البيان التفصيلي لكتاب ربنا سبحانه وتعالى فكان  r كثيرا ما يقول دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر بل كان عمر t يتناوب النزول هو وجار له من الأنصار إلى النبي r بل منهم من كان يصحب النبي r على ملء بطنه كأبي هريرة tليس له عمل ولا شأن إلا أن يتبع النبي r يتعلم منه الحديث، وبعد وفاة النبي r من فاته شيء من السنن سأل عنه الصحابة الآخرين الذين سمعوها، فهذا ابن عباس يدور على بيوت الصحابة يسمع منهم السنن، وربما أتي الواحد منهم فوجده قائلا فيتوسد رداءه وينام على الباب فتأتي الريح فتسفي التراب على وجهه t هذا في طلب سنة النبي r، وكانوا ربما رحل الواحد منهم المسافات الطوال في طلب الحديث الواحد فهذا جابر بن عبد الله t يرحل من المدينة إلى الشام ليسمع حديثا واحدا وهذا أبو أيوب الأنصاري t يرحل من المدينة إلى مصر في سماع حديث واحد .

وكان الشأن أنهم يسمعون من النبي r أو من صحابة أمثالهم وقد رضي الله عنهم أجمعين من فوق سبع سموات فكلهم عدول برءاء من الكذب.

بداية ظهور الكذبفي الحديث

ثم أتى التابعون فسمعوا من صحابة النبي r ومن بعض التابعين عن الصحابة ولم يكن التابعون كلهم عدولا بل وجد فيهم الكذب وإن كان نادرا، ولم يفش الكذب وينتشر حتى ظهرت الفتن . قال ابن سيرين : “لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم “.

كان حالهم كواقع عملي أنهم يحترزون من أحاديث الكذبة ويأخذون أحاديث الثقات، الصحابة كلهم عدول، والتابعون أكثرهم عدول وفيهم القليل ممن وقع في الكذب فكانوا يحترزون من أحاديثهم، ثم أتباع التابعين كلما نزلت طبقة، وجدت الكذب أكثر من الطبقة التي قبلها.

التصنيف في أصول الحديث

أول تدوين لأصول الحديث في كتاب كان على يد الإمام الشافعي، وهو لم يصنف كتابا مستقلا في أصول الحديث ولكنه لما كتب “الرسالة” عقد فيها فصلا تكلم فيه عن خبر الواحد وعن الحد الأدنى الذي تلزم به الحجة، وعن اشتراط قبول أخبار الثقات وترك ما سواها، وهذا من أصول الحديث، وكذلك أيضا كل كتب أصول الفقه لو راجعت باب السنة فيها يقولون: الأصل الأول القرآن، الأصل الثاني السنة، كلامهم في هذا الأصل (السنة) هو في أصول الحديث يتكلمون عن المتواتر، والآحاد، وما يصح به الخبر، وما يضعف وزيادة الثقة، وهل هي شاذة أم لا.

جاء بعد ذلك بعض الأئمة الذين صنفوا في السنن والصحاح، كالإمام مسلم (261)، فمقدمة صحيح مسلم كلها أصول حديث، وكذلك أبو داود (275) كتب في رسالته لأهل مكة كلامًا كله في أصول الحديث والترمذي ت279 عقد بابا في نهاية السنن سماه العلل، سُمي بعد ذلك بالعلل الصغير كله في أصول الحديث.

الأئمة في كتب التراجم كانوا يذكرون نتفا من أصول الحديث فمقدمات هذه الكتب مشحونة بأصول وقواعد علوم الحديث مثلا كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(327) كتاب المجروحين لابن حبان(354)، وكذلك الصحيح له، هذه الكتب فيها مقدمات نافعة للغاية كلها في أصول الحديث،ولكن أصول الحديث لم تصنف في كتاب مستقل بعد.

التصنيف في أصول الحديث استقلالا:

لم تصنف أصول الحديث في كتاب مستقل إلا على يد أبي محمد الرامهرمزي المتوفى سنة 360 في كتاب “المحدث الفاصل بين الراوي والواعي” هذا الكتاب لم يشمل بطبيعة الحال كل أصول الحديث إنما ذكر طرفا لا بأس به منها .

جاء بعده الحاكم أبو عبد الله الحاكم صاحب المستدرك المتوفى  405 وصنف كتابا في علوم الحديث سماه “معرفة علوم الحديث” وكأنه رحمه الله عني بما أهمله الرامهرمزي وذكر فيه اثنين وخمسين نوعا من علوم الحديث.

ثم جاء بعده أبو نعيم الأصبهاني صاحب “الحلية” وعمل على كتابه مستخرجا وكتابه ليس بمطبوع ولا يعرف له وجود حتى الآن.

جاء بعد هؤلاء الخطيب البغدادي رحمه الله فصنف كتابًا حافلا في هذا الفن سماه “الكفاية في علم الرواية” وقد صنف الخطيب كتبا كثيرة في أصول الحديث، صنف أيضا كتابًا سماه “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” هذه كتب ضِخام جمع فيها كلام من سبقه . وصنف كتبا مستقلة في أنواع خاصة من علوم الحديث مثل كتاب “المزيد في متصل الأسانيد” وكتاب “الفصل للوصل المدرج في النقل” وكتاب “رافع الارتياب عن المقلوب في الأسماء والألقاب”، كتب كثيرة في أبواب خاصة من علوم الحديث حتى  قال أبو بكر بن نقطة : (ولا شبهة عند كل لبيب أن المتأخرين من أصحاب الحديث عيال على أبي بكر الخطيب).

يعتبر ابن الصلاح وقد توفي سنة 643 علامة فاصلة ونقطة فارقة في علوم الحديث حيث صنف كتابا سماه “معرفة أنواع علم الحديث” مشهور بيننا بمقدمة ابن الصلاح، وبعضهم يقول “علوم الحديث لابن الصلاح” لكنه سماه في مقدمته “معرفة أنواع علم الحديث”.

جمع فيه ما تفرق في كتب من سبقه وذكر فيه خمسة وستين نوعا من علوم الحديث، وقد أملاه شيئا فشيئا فلم يقع ترتيبه على الوجه المناسب ، وتتبين أهمية هذا الكتاب من الكتب المتعلقة به، فأغلب من صنف بعد ابن الصلاح له علاقة بكتابه إما شرح وتقييد له، وإما اختصار ، وإما نظم ، وإما معارضة ونقد، نذكر أهم هذه الكتب ، لا أريد أن أطيل في ذكر الكتب لكن هذا الكلام مهم ، أهميته أنك إذا احتجت إلى بحث في علوم الحديث إلى أي الكتب ترجع؟ لابد أن تعرف الكتب التي ترجع لها في هذا العلم.

الكتب التي شرحته أو نكَتت عليه من أشهرها: كتاب العراقي  (التقييد والإيضاح لمقدمة ابن الصلاح)،وكتابا تلميذه ابن حجر (الإفصاح على مقدمة ابن صلاح) و( النكت على ابن الصلاح) الإفصاح هذا أوسع الكتابين وهو مفقود ، والنكت موجود ومطبوع ، و( نكت الزركشي) مطبوعة أيضا في ثلاثة مجلدات.

الكتب  التي عارضته:منها (محاسن الاصطلاح للبلقيني،) ومنها (إصلاح كتاب ابن الصلاح لمغلطاي).

الكتب التي اختصرته أشهرها:(المنهل الروي لابن جماعة) وكذلك (اختصار علوم الحديث لابن كثير)،وللنووي اختصاران ، أوسعهما (إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق) والكتاب الأخصر (التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير) وقد شرحه السيوطي في كتابه الماتع ( تدريب الراوي شرح تقريب النواوي) وللطيبي اختصار أيضا اسمه (الخلاصة)

الكتب التي نظمته

نظمها العراقي في ألفيته وسماها: (التبصرة والتذكرة)، بعض الناس يظن أن ألفية العراقي اسمها (نظم الدرر)، وهذا خطأ، (نظم الدرر) هذه ألفية السيوطي؛ لأن السيوطي نظمها أيضا في ألفية وسماها (نظم الدرر).

العراقي والسيوطي كل منهما شرح ألفيته ولكن أفضل الشروح لألفية العراقي ويعتبر أوعب الكتب على الإطلاق في أصول الحديث هو( فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي،) بعض النسخ خمس مجلدات وبعض النسخ أقل من هذا.

لكن لا يفوتني في هذا المقام أن أذكر أن هناك علامة فارقة أيضا في علوم الحديث من صنع ابن حجر رحمه الله تعالى فكتاب (نخبة الفكر)، مع شرحه (نزهة النظر شرح نخبة الفكر) هذا الكتاب يعتبر علامة فارقة في علوم الحديث، لو كنا نقول في كتاب ابن الصلاح أنه لا يحصى كم ناظم  له وكم شارح وكم من مستدرك، ومنتصر، هذا الكلام نقوله أيضا في النخبة لابن حجر على اختصارها الشديد فشروحه لا تحصى سواء شروح النزهة أو شروح النخبة.

من أوعب الشروح لكتاب النخبة وشرحها النزهة:

كتاب المناوي ( اليواقيت والدرر في شرح نزهة النظر،) كتاب ( شرح الشرح) لملا علي القاري، ( لقط الدرر) للسمين العدوي (قضاء الوطر)لإبراهيم اللقاني، و(نتيجة النظر) للشمني، كتاب (منتهى الرغبة) لمحمد بن عبد الله الخَرشي ولم يطبع بعد.

لماذا ندرس هذا العلم؟

لعلنا ذكرنا طرفا من الإجابة على هذا السؤال، ولكن أقول بصورة مختصرة لا يصح أبدا أن يطلب أحد العلم ويغض الطرف عن أصول الحديث،( إذا أردت الوصول عليك بالأصول)، سواء أصول الحديث، أصول الفقه، أصول اللغة، وقيل: ( من حرم الأصول حرم الوصول،) وهي كما تسمى علوم الآلة، تخيلوا رجلاً يعمل بآلة، وآخر يعمل بيديه أيهما أكثر إنتاجًا؟لا شك أن الذي يعمل بآلة يكون أكثر إنتاجًا، ثم إن الرجل الذي يهجم على الفقه ويجمع الأدلة، ويرجح بينها ثم يخرج في النهاية بقول راجح في المسألة، ويكاد يقسم بالله عليه أن هذا القول هو الراجح، هذا الرجل ربما كان كلامه خطأ ؛ إذا لم يدرس علم الحديث، ولم يدر ما الصحيح من الضعيف فكلامه خطأ بلا شك، ما الدليل الذي رجحت به؟ يقول هذا القول هو الراجح لقول النبي r كذا، يأتيه الرجل ويقول هذا الحديث الذي رجحت به هو حديث موضوع، أو ضعيف، إذن سقط كل بحثه في النهاية لأنه لم يدر الصحيح من الضعيف، ولم يدرس أصول الحديث، وهذا الكلام قله أيضا في التفسير، وفي العقيدة، وفي كل فروع العلم.

بعض الناس تزدري هذا العلم للغاية، وتظن أن بعض المعاصرين أنهى الكلام على علم الحديث وقسّمَ السنن لصحيح وضعيف فلا حاجة إلى دراسة هذا العلم. وهذا من جهلهم الفاضح فلا يزال علم الحديث بحاجة إلى بحث واجتهاد رغم كل الجهود المبذولة فيه والمحمودة قديما وحديثا ولو ساغ لنا الاكتفاء باجتهاد المعاصرين لساغ لهم الاكتفاء باجتهاد سابقيهم ولكن لا يخلو عصر من العصور من مجتهد يجدد للأمة أمر دينها .

ما العلم الذي ندرسه ؟

درسنا إن شاء الله سيكون حول  أصول الحديث، أو علوم الحديث أو علم الحديث دراية، أو كما يسميه بعض المتأخرين بمصطلح الحديث وإن كانت هذه التسمية غير مستوعبة وغير شاملة فأصول الحديث ليست مجرد مصطلحات وفقط، وإنما هي أصول وقوانين يُدرى بها صحة السند والمتن من ضعفهما . نحن لا ندرس مجرد مصطلحات وفقط، أصول الفقه ما تدرسون فيها ؟ هل هي مصطلحات وفقط ، أم قواعد وقوانين يُضبط بها استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. كذلك أصول الحديث: هي قواعد وقوانين يُدرى بها صحة السند والمتن من ضعفهما، ولذلك تجد مثلا الحاكم يسمي كتابه “معرفة علوم الحديث” الخطيب يسمي كتابه “الكفاية في علم الرواية” ابن الصلاح يسمي كتابه “معرفة أنواع علم الحديث”.

“مصطلح الحديث” ليست وصفا شاملا أو مستوعبًا لكل ما هو في العلم الذي ندرسه، ثم إن فيها استهانة بهذا العلم، علوم الحديث علوم جليلة وكثيرة ومتنوعة ليست مجرد اصطلاحات وفقط.

 

الحديث والخبر والأثر

غالب أهل العلم لا يفرقون بين الحديث والخبر والأثر وأن كلا منها يطلق على ما أضيف للنبي وما أضيف لغيره من الصحابة والتابعين ومن فرق قال الحديث يختص بما أضيف للنبي r، والأثر يختص بما أضيف لغيره، والخبر يشمل ما أضيف للنبي r وما أضيف لغيره، وبذلك يكون الخبر أوسع الألفاظ على قول من فرق.

لو قال البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح ما تفهمون منها؟ حديث هنا على المعنى الأول الذي ذكرناه أم على المعنى الثاني؟على المعنى الأول، من هنا تدرك أهمية فهم المصطلح من قائله وماذا يقصد؟ لو فهمته على المعنى الثاني وفقط لوقعت في الخطأ ، فالذهبي رحمه الله تعالى يعقب على قول أبي زُرعة لعبد الله بن أحمد: ( أبوك يحفظ ألف ألف حديث، قيل له وكيف علمت هذا؟ قال ذاكَرْتُه فأخذت عليه الأبواب)_ قائلا: (فهذه حكاية صحيحة في سعة علم أبي عبد الله، وكانوا يعدون في ذلك المكرر، والأثر، وفتوى التابعي، وما فسر، ونحو ذلك وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عشر معشار ذلك). يعني لو تكلمنا على أحاديث النبي r فقط فلن تتعدى عشر معشار الألف ألف (عشرة آلاف) لكن لو قيل: ألف ألف، نقول تشمل أقوال الصحابة والتابعين، ثم إنهم يعدون الحديث الواحد أحاديث كثيرة إذا أخذوها عن شيوخ عدة فإذا أخذ الحديث مرة عن شيخ في البصرة، ومرة عن شيخ في الشام، ومرة عن شيخ في مصر، يعد هذا الحديث ثلاثة أحاديث، لماذا؟ لأنه أخذه ثلاث مرات بأسانيد مختلفة ولو جزئيا وتعب عليه ولعله رحل إليه ثلاث رحلات.

 

السند والإسناد والطريق

الحديث أو الخبر أو الأثر يتكون من شطرين رئيسين سند ومتن، والسند والإسناد والطريق بمعنى واحد وهو طريق المتن أو حكاية طريق المتن ، فلان عن فلان عن فلان إلى أن ينتهي إلى المتن هذا هو السند أو الإسناد أو الطريق.

والمتن  (هو ما انتهى إليه السند من الكلام) .

تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد

ينقسم الخبر من حيث وروده إلينا إلى متواتر وآحاد:

الآحاد هي : (خبر الواحد، خبر الاثنين، خبر الثلاثة) هذه هي الآحاد باختصار وسنتكلم عنها بالتفصيل بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

أما المتواتر: فهو ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم وأن يكون مستند خبرهم الحس.

“جمع” ما حده الأدنى أو الأقصى ؟ الحد الأدنى أربعة ,أكثر من ثلاثة حتى لا يكون آحادا ، لكن هل كلما جاءنا حديث برواية أربعة فهو متواتر؟ لا، هذا الكلام خطأ بعض العلماء يضع حدا أدنى للحديث المتواتر مثل السيوطي وقبله الاصطخري قالوا عشرة فأكثر متواتر، فلو توفر عشرة فهو متواتر وإن لم يتوفر عشرة فهو آحاد، وهذا الكلام خطأ والصواب أنه وإن قلنا إن الحد الأدنى أربعة إلا أنه قد يتوفر الأربعة بل أكثر من الأربعة بل عشرة بل عشرون ولا يكون متواترا، لماذا؟ لأن للعدد ضابط آخر وهو أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، هذا العدد لابد لهم من أوصاف خاصة مجمل هذه الأوصاف يفيدنا بأن هؤلاء الجمع سواء قلوا أم كثروا، قلوا بما لا يصل إلى الثلاثة، وكثروا بلا حد أقصى، ولكنهم في الجملة لا يمكن أن يجتمعوا على الكذب عمدا أو غير عمد، الحد الأدنى أربعة، لكن هؤلاء الأربعة لهم صفة، هذه الصفة أنهم يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب سواء على سبيل الخطأ أو على سبيل العمد، فمثلا أربعة من الأئمة الكبار الثقات قد تحيل العادة أن يتواطؤوا على الكذب وعشرة أو أكثر من الكذابين لا تحيل العادة أن يتواطؤوا على الكذب واختلاق الخبر.

إذن للعدد حد أدنى وله ضابط يفصل بين الأعداد تارة أقبل حديث العشرة وأقول إنه متواتر، وتارة أرد حديث العشرة أو أكثر من العشرة وأقول ليس متواترا، وأنت تجد هذا الأمر في عامة الأخبار، الأخبار الدنيوية ألا تجد في نفسك أنك أحيانا ترد أخبار العشرة فأكثر إن كانوا كذابين، وقد يأتيك من هم أقل من العشرة أربعة مثلا ولكنك تعرف من أخبارهم ومن أخلاقهم أنهم لا يكذبون ولا يتعمدون الكذب فتقبل خبرهم وتوقن به، مثلا يا إخواني لو ذهبت إلى درس الشيخ في شيخ الإسلام وأنت في الطريق رأيت إخوانك زرافات ووحدانا كلهم يخبرك بأن الشيخ لم يحضر هل تشك أن الشيخ لم يحضر؟، ممكن يأتي في بالك أنهم كلهم مخطئون أو كذابون وتصمم أنك تذهب إلى المسجد لتتأكد بنفسك أم  ترجع من الطريق، قد يكونون أقل من العشرة ومع ذلك أيقنت بصحة خبرهم.

حالة ثانية أنت في الطريق فرأيت شبابا متقارب العمر وكأنهم خارجين من مدرسة إعدادية أو ثانوية وهم يعدون في طريق معين ويقولون مثلا أن في المكان الفلاني حادث أو حريق، قد تشك في خبرهم  أم لا؟ قد تشك، لماذا؟ قد يتطرق الشك لخبرهم، لأنهم متقاربو السن وخارجون من مكان واحد،  وقد يكونون متواطئين على اختلاق الخبر لخداع الناس كعادة بعضهم، توفر العدد الكبير ومع ذلك رددت حديثهم، والذين خرجوا من المسجد وكانوا أقل من العشرة لم ترد حديثهم بل أيقنت بصدقه.

إذن العدد ليس هو الضابط وحده إنما للعدد صفة لابد أن تتوفر وهي أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب.

(وأن يكون مستند خبرهم الحس):أي يستندوا في نقل الخبر إلى شيء محسوس كأن يقولوا سمعنا ، رأينا ، لمسنا، المهم أحد الحواس، هذا بعكس أن يستندوا للعقل، قضية نظرية تخيلها تواردت على فكره ثم تواردت على فكر رجل آخر ثم ثالث ثم رابع ثم عاشر، إذا توارد هؤلاء العشرة على فكرة معينة ونقلوها وقالوا نحن نرى صحة هذه القضية، هل تصبح هذه القضية متواترة لتوارد عشرة عليها ؟ لا لأنهم لم يستندوا للحواس إنما إلى العقل المحض، حتى لو كانت هذه القضية يقينية مثل (الكل أكبر من الجزء) فليست متواترة أيضا لأنها تستند للعقل لا الحواس .

بقى من شروط المتواتر :أن تتكرر هذه الكثرة في كل الطبقات.

هل يصح أن يكون المتواتر في طبقة من الطبقات من رواية رجل واحد فقط؟لا لن يكون متواترا بل سيكون غريبا أو فردا لأن العبرة بأقل الطبقات والكثرة تشترط في كل الطبقات فلو كل الطبقات فيها جمع كبير إلا طبقة واحدة فهو أحاد وليس متواترا.

حكم الحديث المتواتر

يفيد العلم الضروري. بعض العلماء منهم ابن حجر يجعل إفادة العلم شرطا خامسا للمتواتر وليس بشرط في الحقيقة بل هو نتيجة حتمية لهذه الشروط.

والمراد بالعلم هو القطع والجزم واليقين ، عكسه ليس الجهل، وإنما غلبة الظن أو الشك والتردد ، فالخبر المتواتر لا تشك فيه أبدا وإن شككت فيه فليس بمتواتر، إن ورد على ذهنك احتمال أنهم أخطئوا أو أنه كذب فهذا ليس متواترا وإن كان صحيحا لأنه لا يلزم من عدم التواتر نفي الصحة.

أقسام العلم : ينقسم العلم إلى ضروري ونظري

العلم الضروري : هو الذي يهجم على القلب ويقطع به المرء لأول وهلة دون حاجة إلى نظر أو استدلال.

العلم النظري : هو الذي يحتاج المرء إلى بحث ونظر واستدلال حتى يصل إلىه.

العلم الضروري والنظري كلاهما يقيني والفرق بينهما في الوسيلة التي توصلت بها إلى هذا اليقين، فالأول لم يحتج إلى نظر أو استدلال والثاني احتاج إليهما.

مثال : حديث رواه رجل عن رجل عن صحابي عن النبي r أنظر في تراجم هؤلاء الرجال ، هل الرجل الأول ثقة أم لا؟ بعد البحث وصلت إلى أنه ثقة ، هذا البحث قد يطول وقد يقصر ، قد أبحث في ترجمة هذا الراوي ليلة كاملة، ثم انظر في سماعه من شيخه هل سمع منه أم لا؟ وجدته سمع، ثم أنظر في ترجمة شيخه هل هو ثقة أم لا؟ وجدته ثقة ، ثم أنظر في سماع شيخه من شيخ شيخه هكذا حتى أصل إلى الصحابي، ثم بعد ذلك أنظر هل خالف هؤلاء آخرين أوثق منهم أم لا، وهل في المتن علل مثلا أم لا هذا البحث و الاستدلال أخرج منه في النهاية بأن هذا الخبر صحيح، وثبت عن النبي r، ولكنه مع ذلك ليس متواترا ولا يفيد العلم، بل يفيد غلبة الظن، أو الظن الراجح ويجب به العمل . ثم إني بحثت فوجدت طريقا آخر لهذا المتن رواه ثقة عن ثقة عن صحابي عن النبي r فأجريت نفس العملية السابقة التي صنعتها في الخبر الأول فوصلت إلى نفس النتيجة فزاد الخبر عندي صحة وقوة ثم جاءني طريق ثالث وطريق رابع، وطريق عاشر كل طريق أصنع فيه ما صنعت في الأول فخرجت بنتيجة أن هذه الطرق الكثيرة كلها صحيحة وتؤدي نفس الكلام وتنسبه إلى النبي r فأنا أوقن وأقطع أن هذا الكلام من كلام النبي r ولا أشك فيه أبدا، واستفدت منه العلم النظري لأني وصلت إليه بعد نظر واستدلال . هذا بخلاف خبر هجرة النبي r من مكة إلى المدينة فأنا أقطع به دون حاجة إلى نظر واستدلال فهو علم ضروري

المتواتر قسمان: متواتر لفظي، ومتواتر معنوي وأنا فيه ناقل عن الخطيب .

فأما التواتر من طريق اللفظ: فهو مثل الخبر بخروج النبي r من مكة إلى المدينة , ووفاته بها , ودفنه فيها , ومسجده , ومنبره , وما روي من تعظيمه الصحابة , وموالاته لهم , ومباينته لأبي جهل , وسائر المشركين , وتعظيمه القرآن , وتحديهم به , واحتجاجه بنزوله , وما روي من عدد الصلوات وركعاتها وأركانها وترتيبها , وفرض الزكاة والصوم والحج , ونحو ذلك .

وأما التواتر من طريق المعنى: فهو أن يروي جماعة كثيرون يقع العلم بخبرهم , كل واحد منهم حكما غير الذي يرويه صاحبه , إلا أن الجميع يتضمن معنى واحدا , فيكون ذلك المعنى بمنزلة ما تواتر به الخبر لفظا , مثال ذلك: ما روى جماعة كثيرة عمل الصحابة بخبر الواحد , والأحكام مختلفة , والأحاديث متغايرة , ولكن جميعها يتضمن العمل بخبر الواحد العدل , وهذا أحد طرق معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنه روي عنه تسبيح الحصى في يديه , وحنين الجذع إليه , ونبع الماء من بين أصابعه , وجعله الطعام القليل كثيرا , ومجه الماء من فمه في المزادة , فلم ينقصه الاستعمال , وكلام البهائم له , وما أشبه ذلك مما يكثر تعداده .

المصنفات في المتواتر:

(الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة) للسيوطي

ثم اختصره  في كتاب (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة)

(نظم المتناثر في الحديث المتواتر ) لمحمد بن جعفر الكتاني

بحث المتواتر ليس من تأصيل المحدثين وأول من ذكره في مباحث علم الحديث هو الخطيب البغدادي قبل ذلك لم يكن المحدثون يعرفون حديثا اسمه المتواتر، الحديث كان ينقسم عندهم إلى صحيح وضعيف، أما المتواتر فهذه القسمة أتتنا من كتب أصول الفقه أدخلها إلى كتب المحدثين الخطيب البغدادي، كتب الأصول بدورها كثير من الذين صنفوا في الأصول معتزلة، وتأثروا بعلم الكلام .

المعتزلة هم من قسموا الأخبار إلى متواتر وآحاد، يقولون الآحاد إن صح يفيد العمل يتعبد به لكن لا يعمل به في العقائد ولا تثبت به عقيدة لأنه لا يفيد العلم، أما المتواتر فهو يفيد العلم والعمل وتثبت به العقيدة.

لما تكلموا في العقائد بعقولهم ورأوا السنن ترد عليهم فلجئوا إلى هذه القسمة ليبطلوا هذه السنن لأن الغالب الأعم منها آحاد، والمتواتر فيها نادر جدا إن لم يكن معدوما على ما قاله ابن حبان وغيره فإذا جئت تحتج عليهم فلن تجد بين يديك شيئا تحتج به وتضلل أقوالهم ، مثلا تقول له (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى السماء الدنيا) ، يقول لك هذا  ليس متواترا، فلا حجة به وإن كان صحيحا، وهكذا في سائر الأحاديث التي تتكلم في العقائد.

وهذا إهدار وتضييع للسنن ؛ والآحاد إن صح يحتج به في الأحكام والعقائد .

الآحاد

الآحاد ثلاثة أنواع:

المشهورأوالمستفيض:وهو ما رواه ثلاثة فأكثر، ما لم يبلغ حد التواتر.

المشهور يصح أن يكون من رواية ثلاثة ويصح أن يكون من رواية أربعة ويصح أن يكون من رواية خمسة، وكذلك المتواتر يصح أن يكون من رواية أربعة ومن رواية خمسة، والذي يميز بين المشهور والمتواتر إن اتفقا في العدد هو توفر سائر شروط المتواتر، فإن اختل شرط منها فهو مشهور.

المشهور والمستفيض مترادفان لا فرق بينهم عند غالب أهل العلم، وبعض أهل العلم يفرق بينهم، يقول إن المستفيض هو المشهور إذا استوى طرفا إسناده وهو أن يكون عدد الرواة ثابتا في كل طبقة، وبعضهم يقول: العكس، أي أن هذا هو المشهور، وليس المستفيض، وهي أقوال لا طائل من ورائها.

مثال للحديث المشهور:

حديث «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالما، اتخذ الناس رءوسًا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا، وأضلوا» . هذا الحديث قد رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة من طبقاته، ففي طبقة الصحابة: عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة وزياد بن لبيد وعائشة ، وكذا سائر الطبقات ثلاثة فأكثر فهو ينطبق عليه تعريف المشهور .

المشهور غير الاصطلاحي: ما سبق هو المشهور الاصطلاحي ولابد أن يكون له ثلاثة طرق فأكثر ، ولكن هناك بعض الأحاديث منتشرة وشائعة بين الناس قد يكون لها ثلاثة طرق وقد يكون لها أقل من ذلك وقد لا يوجد لها طرق البتة ويطلق عليها مشهور غير اصطلاحي .

مثاله: حديث «الدين المعاملة»، هذا الحديث مشهور جدا وقد فتشت عنه كثيرا فلم أجد له إسنادا قط، أبعد مصنف وجدت فيه هذا الحديث المزعوم، تاريخ الجبرتي، وعلى هذا النحو تجد أمثلة كثيرة في حديث الناس يعتبرونها حديث وهي ليست بحديث.

حكم المشهور:

كل حديث له حكمه بحسب توفر شروط الصحة وفقدها؛ فمنه الصحيح ومنه الضعيف كما سائر الآحاد .

المصنفات في الحديث المشهور :

المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة للسخاوي ، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة  للسيوطي ، كشف الخفاءومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني، تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على السنة الناس من الحديث لابن ديبع الشييباني.

كل هذه الكتب في المشهور غير الاصطلاحي  أما المشهور الاصطلاحي  فلم يصنف فيه شيء .

 

 

العزيز

تعريفه : هو ما لم تقل رواته على اثنين بشرط وجود الاثنين ولو في طبقة واحدة.

“ما لم تقل رواته عن اثنين” قد يدخل فيه المشهور لكن نضع قيدا أنه بشرط وجود الاثنين ولو في طبقة واحدة،  حتى يخرج المشهور.

مثاله : حديث أنس وأبي هريرة «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» رواه عن أنس قتادة وعبد العزيز بن صهيب ورواه عن قتادة شعبة وسعيد بن أبي عروبة ، ورواه عن عبد العزيز بن صهيب إسماعيل ابن علية وعبد الوارث بن سعيد.

فهذا الحديث لم تقل رواته عن اثنين في كل الطبقات مع وجود الاثنين في طبقة الصحابة فهو عزيز.

العزة شرط الصحيح :

بعض أهل العلم قال أن العزة شرط الصحيح، أي يشترط في الحديث الصحيح أن يكون عزيزا، ولا يصح أن يكون غريبا. وقالوا أنه شرط البخاري وأخطئوا فهو ليس شرطا للبخاري فضلا عن أن يكون شرطا للصحيح ؛ فهذا أول حديث في صحيح البخاري حديث عمر «إنما الأعمال بالنيات» هذا أشهر الأحاديث التي يمثلون بها على الحديث الفرد الغريب، وقد وقع التفرد فيه أربع طبقات ، وأيضا آخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» هذا الحديث أيضا لم يروه إلا أبو هريرة فأول حديث وآخر حديث في البخاري غرائب وأفراد، وفي ثنايا الكتاب أيضا  الكثير من الأفراد والغرائب. إذن العزة ليست شرطا للبخاري فضلا عن أن تكون شرطا للصحيح

 

الحديث الفرد أو الغريب

تعريفه : هو ما تفرد بروايته راو واحد.

سواء كان هذا التفرد في طبقة واحدة أو في كل الطبقات .

مثاله: حديث (إنما الأعمال بالنيات)  وقع التفرد فيه في أربع طبقات؛ تفرد به عمر بن الخطاب عن النبي r وعن عمر علقمة بن وقاص الليثي وعن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري ثم تواتر بعد ذلك عن يحيى.

أقسامه :

الفرد أو الغريب المطلق: وهو ما لم يتابع فيه الراوي مطلقا وغالبا ما يقع في الطبقات العليا من السند وهو أصل التفرد الذي يقابله العزيز والمشهور ويصدق عليه التعريف والمثال السابقين .

الفرد أو الغريب النسبي: وهو ما كانت الغرابة فيه نسبة إلى صفة معينة أو شخص معين أو بلد معين وقد يجتمع مع العزيز والمشهور فمثلا يقولون : لم يره ثقة إلا مالك ، فمالك هنا لم يتفرد مطلقا وإنما تفرد بوصف الثقة ؛ أي أنه توبع عليه ولكن من رواه كلهم ضعفاء. ويقولون : هذا الحديث من غرائب أهل الشام، أي لم يروه غيرهم من أهل البلدان الأخرى وقد يكون رواه من الشاميين جماعة وقد يكون رواه منهم راو واحد فقط. ويقولون : تفرد به مالك عن الزهري، وإن كان رواه غير مالك عن غير الزهري ، ففي هذه الأمثلة تلاحظ أن الغرابة استثنائية على غير أصل تعريف الفرد أو الغريب .

الفرق بين الفرد والغريب:

هما مترادفان لا فرق بينهما، لكن بعض أهل العلم فرق بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فأكثر ما يطلقون الفرد إذا كان التفرد مطلقا وأكثر ما يطلقون الغريب إذا كان التفرد نسبيا. والأمر في هذا واسع، فلو سميت هذا باسم ذاك فلا ضير.

الكتب المصنفة في الغريب:

(الأفراد والغرائب)للدر اقطني، وهذا كتاب ضخم كبير ولكنه مفقود، والذي طبع هو أطرافه، (أطراف الأفراد والغرائب) لابن طاهر المقدسي، ( غرائب مالك) للدر اقطني أيضا، كتاب (السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة) لأبي داود السجستاني.

ولكن هناك بعض العلماء أكثروا من ذكر الغريب في كتبهم وبينوا ذلك عقب كل حديث مثل البزار في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط وكذا الصغير

 

 

 

 

تقسيم الآحاد إلى مقبول ومردود

الخبر المتواتر كله مقبول وهو في أعلى درجات الصحة وليس فيه حديث ضعيف أما الآحاد فينقسم إلى مقبول ومردود.

أما المقبول فأربعة أنواع: الصحيح لذاته، الصحيح لغيره، الحسن لذاته، الحسن لغيره.

وأما المردود فأنواع كثيرة: أخفها الضعيف وشرها الموضوع .

الصحيح لذاته

تعريفه: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله، إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا .

شروطه: قد تضمنها التعريف السابق وهي خمسة: اتصال السند، عدالة الرواة، ضبط الرواة، عدم الشذوذ، عدم العلة .

الشرط الأول: اتصال السند: وهو أن يكون كل راو من رواته سمعه ممن فوقه.

والمراد بالسماع هنا أن يتحمل الحديث بطريقة من طرق التحمل المعتبرة: السماع أو العرض أو الإجازة، وليس المراد الحصر في السماع فقط.

والسماع: هو أن يسمع الطالب من لفظ الشيخ سواء قرأ الشيخ من صدره أو من كتابه وسواء كتب الطالب أو سمع فقط .

والعرض أو القراءة على الشيخ: هو أن يقرأ الطالب والشيخ يسمع ويقر.

والإجازة: هي الإذن بالرواية كأن يقول الشيخ للطالب أجزتك أن تروي عني كتاب كذا أو حديث كذا وكذا. والخلاف فيها كبير والجمهور على صحتها

وأما الطرق المنقطعة غير المعتبرة فهي:

المناولة: وهي أن يدفع الشيخ إلى الطالب كتابه قائلا هذا سماعي

والوصية:وهي أن يوصي عند موته أو سفره لشخص معين بكتابه أو كتبه

والكتابة: وهي أن يكتب الشيخ بعض حديثه إلى أحد طلابه حاضرا كان أو غائبا

والوجادة: وهي أن يجد كتابا أو حديثا يعرف خط كاتبه فيقول وجدت بخط فلان

والإعلام:وهو أن يعلم الشيخ الطالب أن هذا الكتاب أو الحديث سماعه.

وهذه الطرق الخمسة إن اقترنت إحداها بالإجازة فمتصلة لا لذاتها ولكن لما في الإجازة من الاتصال.

ولكي يكون السند متصلا لابد أن يسلم من قوادح الاتصال (أنواع الانقطاع)

أنواع الانقطاع ستة وهي :

1- المعلق: وهو ما سقط من مبدأ إسناده راو فأكثر.

2- المرسل: وهو ما سقط من آخره من بعد التابعي.

3- المنقطع: وهو ما سقط من وسط إسناده راوٍ، أو أكثر بشرط ألا يكونوا على التوالي.

4- المعضل: وهو ما سقط منه اثنان فأكثر على التوالي.

ويقع في أول السند فيجتمع مع المعلق وفي آخره فيجتمع مع المرسل ويقع في الوسط فينفرد عنهما .

5- المرسل الخفي: وهو أن يروي عمن عاصره أو لقيه ولم يسمع منه.

6- التدليس: وهو أن يروي عن شيخه الذي سمع منه، ما لم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع وغيره كعن وقال.

راوي المرسل الخفي والمدلس كل منهما يروي شيئا لم يسمعه لكن الأول لم يسمع ممن يروي عنه قط، أما الثاني فسمع منه ولكنه لم يسمع هذا الحديث بعينه.

هذه أنواع الانقطاع إجمالا ، وجميعها من قسم المردود ؛ لفقدها الشرط الأول من شروط الصحيح وهو اتصال السند وسيأتي مزيد بيان عنها إن شاء الله تعالى .

الشرط الثاني : عدالة الرواة:

العدالة: هي السلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة.

والفسق: هو ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة.

والمروءة: هي التحلي بمحاسن الأخلاق وجميل العادات والأعراف، والتخلي عن ما يخالفها مما يستهجنه الناس.

فالمروءة متعلقة بالعادات والأعراف لا بالحلال والحرام؛ ولذلك فهي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن شخص إلى شخص، وقد عرفها بعض أهل العلم: بأنها التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه.

لأن ما يخرم مروءة العالم الكبير، قد لا يخرم مروءة الشاب الصغير وما يخرم المروءة في بلد معين قد لا يخرمها في بلد آخر، وما كان يخرمها قديما قد لا يخرمها الآن، فأنت تستهجن أن ترى عالما كبيرا يلبس زيا رياضيا مثلا ولو كان ساترا للعورة، ولا تستهجن هذا من الشاب الصغير فهذا له حشمته ومروءته وذاك له حشمته ومروءته.

وكان الالتفات في الطريق قديما شيئا معيبا خارما للمروءة، أما الآن تسير في الزحام تلتفت يمينا ويسارا وربما خلفا تخشى أن تصيبك سيارة فلا تعاب بذلك.

المروءة تتعلق بمحاسن الأخلاق وبالعادات والأعراف وليس بالحلال والحرام، قد يفعل المرء فعلا مباحا ولكنه يعاب ويشان به، مع أنه ليس حراما، فالعورة التي يحرم ظهورها من السرة للركبة، وما دون ذلك فليس بحرام ولكن لو اكتفى رجل بستر ما بين السرة والركبة فقط وسار بين الناس في الطريق لعابوا ذلك عليه واستقبحوه منه.

فمن يروي حديث النبي r لابد أن يسلم من خوارم المروءة التي يحتقره الناس لأجلها كما يسلم من أسباب الفسق .

قوادح العدالة : وهي خمسة أشياء إذا وجدت في الراوي انتفت عدالتة.

1- الكذب: وهو الكذب في حديث النبي rخاصة عمدا وإذا وجد في الراوي فحديثه موضوع.

2- التهمة بالكذب: وهي أن يعرف الراوي بالكذب في كلامه أو ينفرد برواية شيء مخالف للقواعد الشرعية، والمتهم بالكذب حديثه متروك.

3- الفسق: ومن ظهر فسقه فحديثه منكر، وكذا من فحش غلطه أو كثرت غفلته كما سيأتي في قوادح الضبط .

4- الجهالة: المجهول من لم يعلم فيه جرح ولا تعديل. وليس لحديثه اسم خاص به، ويشمله اسم الضعيف.

5- البدعة : هي الحدث في الدين بعد الإكمال.

وقيل: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله. والمقصود بها البدعة الاعتقادية كالاعتزال والتشيع .

وليس لحديث المبتدع اسم خاص به، ويشمله اسم الضعيف.

والعدالة شرط في الأداء لا التحمل ، فمن تحمل حديثا حال كفره أو فسقه ثم أسلم أو تاب ورواه صحت روايته؛ ومن ذلك حديث جبير بن مطعم بن عدي وكان جاء في أسارى بدر قال: «سمعت النبي rيقرأ في المغرب بالطور» سمعه حال كفره وأداه بعدما أسلم t.

الشرط الثالث : الضبط : وهو الحفظ، وهو إما ضبط صدر وإما ضبط كتاب.

ضبط الصدر: أن يثبت ما سمعه في صدره بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء

ضبط الكتاب: هو صيانة كتابه الذي سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه.

قوادح الضبط: وهي خمسة أشياء تقدح في ضبط الراوي:

1- فحش الغلط 2- كثرة الغفلة: ويترتب على كل منهما الحديث المنكر.

3-الوهم : ويترتب عليه الحديث المعلل.

4- مخالفة الثقات: ويترتب عليها خمسة أنواع من الضعيف هي: المدرج والمقلوب والمزيد في متصل الأسانيد والمضطرب والمصحف والمحرف.

5-سوء الحفظ:وهو من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه. ويترتب عليه الشاذ على قول بعض أهل العلم والضعف الخفيف.

هذه الأشياء ذكرها ابن حجر على أنها قوادح للضبط.

الشرط الرابع: عدم الشذوذ: وهو مخالفة مقبول الرواية لمن هو أرجح منه.

هذا تعريف الشافعي وهناك أقوال أخرى سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى .

الشرط الخامس: عدم العلة: وهي سبب غامض خفي يقدح في صحة الحديث مع أن الظاهر السلامة منه.

يشترط فيها أمران: الأول: الغموض والخفاء. الثاني: القدح في صحة الحديث.

ولهذا لا ترد العلل إلا على الأحاديث الصحيحة في الظاهر ولا يفطن لها إلا الجهابذة من نقاد الحديث الذين أفنوا أعمارهم في تتبع طرقه وألفاظه وقد ينظر الطالب في السند ويتعجب، كيف حكموا على هذا السند الصحيح السليم النظيف في نظره بالضعف ولا يفهم لماذا ضعفوه، لكن أرباب هذه الصنعة يوقنون بضعفهمع ما توفر فيه من شروط الصحيح الأربعة؛ ولذلك إذا حكم أمثال هؤلاء العلماء على حديث بالضعف يقبل كلامهم ولو كان مجملا ولا يعارضون بكلام غيرهم ممن ليس له مثل سعة حفظهم ودقة فهمهم، نعم إن اختلفوا فلنا أن نختار من أقوالهم ما ترجحه الأدلة التي بين أيدينا .

 

أول من صنف في الصحيح :

بعضهم يقول الإمام مالك ولكن لو بحثنا في أحاديث الموطأ عن شروط الصحيح ستتخلف بعضها عن بعض الأحاديث؛ ففي الموطأ بعض الأحاديث المنقطعة والمرسلة والبلاغات، وهي صحيحة عند مالك وعند من تبعه على مذهبه ؛ لأنه كان يرى صحة الاحتجاج بالمرسل، لكن المحدثين لا يرون ذلك؛ لافتقاره لشرط الاتصال. كما أتى في ثنايا موطئه بأقوال الصحابة والتابعين والفقه .

وأما ما أتى به البخاري من هذا الباب، فلم يسمعه هكذا وإنما حذف إسناده عمدا ليخرجه عن شرط كتابه وأتى به في تراجم الأبواب استئناسا واستشهادا، بخلاف مالك فإنه سمعها هكذا وأوردها في كتابه كما سمعها، وهي صحيحة عنده ويرى حجيتها .

كيف نشأت فكرة الاقتصار على جمع  الصحيح :

قال البخاري: كنا في مجلس إسحاق بن راهويه ، فقال رجل لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة النبي r، قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح. وقال صنفت كتابي الصحيح لست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.وبيضه رحمه الله بين قبر النبي r ومنبره، وما كتب فيه حديثا إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين .

ثم تبعه تلميذه مسلم على جمع الصحيح، وقد اتفقت الأمة على صحة الكتابين، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله U.

 

مراتب الصحيح بحسب الكتب:

1- ما اتفق عليه البخاري ومسلم 2- ما تفرد به البخاري3- ما تفرد به مسلم  4- ما كان على شرطهما 5- ما كان على شرط البخاري 6- ما كان على شرط مسلم 7- ما صح على شرط غيرهما.

أي الصحيحين أصح :

جماهير أهل العلم على أن البخاري أصح من مسلم، وما نقل عن بعض أهل العلم خلاف ذلك فليس على معنى أن مسلما أصح من البخاري ولكن على أن مسلم يساوي البخاري، أو أن مسلم يرجح على البخاري لأمور لا تتعلق بالصحة، كحسن السياق، وجودة الترتيب، وعلو الصنعة الحديثية وأنه ليس فيه بعد المقدمة إلا الحديث الصرف.

وبيان ذلك أن البخاري عني بالجانب الفقهي واستنباط المعاني في المقام الأول؛ فلذلك يقطع الحديث الواحد قطعا كثيرة بحسب الأحكام المشتمل عليها، ويضعها في الأبواب التي تناسبها كما أورد كثيرا من الأحاديث في غير ما يتبادر للذهن من مظنتها وذلك لشفوف نظره ودقة استنباطه رحمه الله، بخلاف مسلم فإنه يسرد أحاديث الباب كلها متتالية بأسانيدها وألفاظها بتمامها في موضع واحد بترتيب حسن ناسبا كل لفظ لراويه، ولو كان المتن مشتملا على عدة أحكام فإنه يذكره في أمس المواضع له بتمامه أيضا .

 

 

البخاري أصح من مسلم لأمور:

1- الرواة الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم 435 راويا المتكلم فيهم بالضعف 80 راويا، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري 620راويا، المُتكلم فيهم بالضعف 160راويا، ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه، وإن لم يكن ذلك الكلام قادحا.

2- لم يكثر البخاري من الإخراج لمن تُكلم فيه عنده، وليس لواحد منهم نسخة كبيرة أخرجها كلها أو أكثرها إلا ترجمة عكرمة عن ابن عباس بخلاف مسلم فقد أخرج لبعض المنتقدين عنده أكثر نسخهم مثل: سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وأبي الزبير عن جابر ، وحماد بن سلمة عن ثابت عن أنس.

3- الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيهم كثير منهم من شيوخه الذين لقيهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم فميز جيدها من رديئها بخلاف مسلم، فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه من المتقدمين .

4- البخاري يخرج أحاديث الطبقة الأولى وينتقي من الثانية ولا يعرج على الثالثة أما مسلم فيخرج الأولى والثانية وينتقي من الثالثة ولا يعرج على الرابعة والخامسة.

5- البخاري لم يخرج لهؤلاء الضعفاء احتجاجا، وإنما خرج لهم في الشواهد والمتابعات والمعلقات، بخلاف مسلم فإنه خرج لهم كثيرا في الأصول والاحتجاج.

6- اشترط البخاري ثبوت السماع -ولو مرة واحدة- من المعاصر لشيخه إذا عنعن وإن لم يكن مدلسا، واكتفي مسلم بالمعاصرة مع إمكانية اللقاء، ما لم يكن الراوي مدلسا .

ولا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال وإن سلمنا بصحة الاتصال عند مسلم.

7- عدد الأحاديث المنتقدة عليهما 210 حديثا، ذكرها الدارقطني في كتابه “التتبع”، 78 حديثا منها انفرد بها البخاري، و100 حديث انفرد بها مسلم و32 اتفقا على إخراجه .

هذه الأحاديث تكلم فيها وليست حتما ضعيفة وذلك لأمور:

1- تصحيح البخاري ومسلم ومن وافقهما من جماهير أهل العلم هو الصواب في الغالب الأعم، وقلما يصيب الدارقطني ومن تبعه في انتقاده.

2- كثير منها لم تنتقد على سبيل الرد ولكن لأنها لم ترق إلى شرط البخاري ومسلم وإن كانت صحيحة على شرط غيرهما.

3- أكثر هذا النقد موجه للأسانيد لا المتون، فقد يضعف السند ويبقى المتن صحيحا كما هو لما له من أسانيد أخر .

4- أكثر هذا النقد موجه لما هو في الشواهد والمتابعات وليس لما في الأصول.

وقد أجاب ابن حجر على هذه الانتقادات بالتفصيل في “هدي الساري” وقال: وقد حررتها وحققتها وقسمتها وفصلتها لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر.

الحسن لذاته

العلماء المتقدمون ما كانوا يخصون الحديث الحسن بمرتبة معينة من مراتب الصحة أو الضعف بل أطلقوا الحسن على الصحيح وعلى الحسن المعهود الآن وعلى الضعيف والمنكر والغريب، فكانوا إذا استحسنوا شيئا في الحديث قالوا عنه حديث حسن، لا أنه يغاير الصحيح أو الضعيف.

وكانوا يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف، والصحيح درجات اصطلح على الدرجة الدنيا منه بعد ذلك بالحسن لذاته والضعيف درجات أعلاها إن تقوى بغيره قبل وعمل به وهو الذي اصطلح عليه بعد ذلك بالحسن لغيره وهو الذي يقول فيه الإمام أحمد الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي.

 نشأة الحسن كاصطلاح :

أول من تكلم عن الحسن كاصطلاح له حد معين هو الإمام الترمذي(279) فقال: كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن.

فالحسن عند الترمذي له ثلاثة شروط:

الشرط الأول: (ألا يكون في إسناده من يتهم بالكذب) احترز به من الراوي شديد الضعف وأدخل من هو خفيف الضعف والصدوق والثقة .

الشرط الثاني: (لا يكون شاذا) ألا يكون الحديث في أصله خطأ أو وهما، سواء كان راويه ثقة أم ضعيفا، خالف غيره أم لم يخالف.

الشرط الثالث: (يروى من غير وجه نحو ذلك) أي يروى من أكثر من طريق سواء عن نفس الصحابي أو عن صحابة آخرين أو يروى معناه في عموم السنة مما يخرج معناه عن كونه شاذا أو غريبا.

قال ابن رجب: ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره، وهو أن يكون معناه يروى من غير وجه، ولو موقوفاً، ليستدل بذلك على أن هذا المرفوع له أصل يعتضد به،وهذا كما قال الشافعي في الحديث المرسل: إنه إذا عضده قول صحابي، أو عمل عامة أهل الفتوى به كان صحيحاً.

جاء بعده الخطابي (388) فحد تعريفا مغايرا لتعريف الترمذي فقال :

(ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء).

(عرف مخرجه): مخرج الحديث هو الراوي الذي عليه مدار الحديث، فلكل بلد رواه مشهورون برواية أحاديثها فإذا روي الحديث عن أحدهم فقد عرف مخرجه، وفيه احتراز عما فيه نوع سقط؛ لأن ما فيه سقط لم يعرف مخرجه بخلاف من أبرز جميع رجاله فقد عرف مخرجه.

(اشتهر رجاله) أي بالعدالة والضبط، وإن كانوا أدنى من رجال الصحيح في ذلك.

(عليه مدار أكثر الحديث) أي أن أكثر الحديث من قبيل الحسان، وإن نازعه بعض العلماء في هذا.

(وهو الذي يستعمله عامة الفقهاء ويقبله أكثر العلماء).

وقد قيل إن هذه الجملة مع ما قبلها ليست من التعريف ولا تختص بالحسن وحده بل يدخل فيها الحسن والصحيح _ وقد عرفه الخطابي قبل الحسن _ وبهذا يكون مراد الخطابي أن أكثر الحديث من قبيل الحسن والصحيح وهو أدعي للقبول

ما الفرق بين تعريف الترمذي وتعريف الخطابي؟

الفرق الأول: يشترط الترمذي أن يروى الحديث من طريقين على الأقل، أما الخطابي فلم يشترط تعدد الطرق؛ فيكفي عنده طريق واحد .

الفرق الثاني: قد يتخلل الضعف الخفيف إلى أحد طرق الحسن عند الترمذي، أما الخطابي فلا يتسمح في هذا لاشتراطه الشهرة بالعدالة والضبط، وإن كانت دون شهرة رجال الصحيح، فلا يدخل فيه رجال الضعيف، ولقوله وهو الذي يستعمله عامة الفقهاء ويقبله أكثر العلماء؛ فهذا يبعد عنه أسباب الضعف.

لذا قال ابن الصلاح وغيره من أهل العلم: كلام الترمذي يتنزل على نوع من الحسن (وهو ما عرف بالحسن لغيره) وكلام الخطابي يتنزل على نوع آخر من الحسن (وهو ما عرف بالحسن لذاته) .

الحسن لذاته :

يقول ابن حجر:وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند غير معلّل ولا شاذ: هو الصحيح لذاته …  ثم قال: فإن خفَّ الضبط فالحسن لذاته.

فالحسن لذاته هو الصحيح لذاته إذا خف ضبط راويه، أي أنه: ما اتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا .

فالفارق الوحيد بين الصحيح لذاته والحسن لذاته أن راوي الصحيح تام الضبط أما راوي الحسن فراويه خف ضبطه قليلا ولم ينزل إلى مرتبة من يعد ما ينفرد به منكرا .

أما الحسن لغيره: فهو الضعيف إذا تقوى بمثله أو أقوى منه .

والمراد بالضعيف خفيف الضعف وهو الذي يصلح للتقوية بغيره أما شديد الضعف فلا يتقوى بغيره ولا يقوي غيره _ فإذا روي من وجه آخر مثله في خفة الضعف أو أقوي منه فإنه يرتقي بمجموع طرقه من الضعف إلى الحسن ويسمى حسنا لغيره.

وأما الصحيح لغيره وهو بقية أنواع المقبول يقول فيه ابن حجر: وبكثرة طرقه يصحح. أي الحسن لذاته إذا روي من وجه آخر مثله أو أقوى منه فإنه يصحح وينتقل بمجموع طرقه من الحسن إلى الصحة ويسمى صحيحا لغيره .

معنى “حسن صحيح”:

أكثر الترمذي في سننه من إطلاق لفظ “حسن صحيح” على الأحاديث، فجمع بين الحسن والصحة في حديث واحد، وهما متغايران حدا ومتفاوتان رتبة كما في كلام أهل العلم السابق، وقد اختلفت أقوال أهل العلم في تفسيره:

1- أن ذلك باعتبار إسنادين، أحدهما حسن، والآخر صحيح، وهذا حقه أن يقال فيه حسن وصحيح وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح أعلى مما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا، وهذا أحد قولي ابن الصلاح.

ويرد عليه أن الترمذي يطلقها علي بعض الأحاديث التي ليس لها إلا إسناد واحد لذا خص ابن حجر هذا القول بما لم يقع فيه التفرد أما ما وقع فيه التفرد فأجاب عنه جوابا آخر وهو:

2- أن هذا للتردد الحاصل من المجتهد (الترمذي) في الراوي هل هو من رجال الصحيح أم من رجال الحسن وهذا حقه أن يقال حسن أو صحيح وعلى هذا فما قيل فيه حسن صحيح دون ما قيل فيه صحيح لأن ما جزم فيه بالصحة أولى مما تردد فيه .

3- القول الثاني لابن الصلاح قال: على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك، أراد بالحسن معناه اللغوي، وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي.

4- قول ابن كثير : أنه يشرب الحكم بالصحة على الحديث كما يشرب الحسن بالصحة. فعلى هذا يكون ما يقول فيه “حسن صحيح” أعلى رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح ويكون حكمه على الحديث بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن.

5- قول ابن دقيق العيد: أنه لا يشترط في الحسن قيد القصور عن الصحيح وإنما يجيئه القصور ويفهم ذلك فيه إذا اقتصر على قوله حسن فالقصور يأتيه من قيد الاقتصار لا من حيث حقيقته وذاته وشرح هذا وبيانه إن هاهنا صفات للرواة تقتضي قبول الرواية ولتلك الصفات درجات بعضها فوق بعض كالتيقظ والحفظ والإتقان مثلا فوجود الدرجة الدنيا كالصدق مثلا وعدم التهمة بالكذب لا ينافيه وجود ما هو أعلى منه كالحفظ والإتقان فإذا وجدت الدرجة العليا لم يناف ذلك وجود الدنيا كالحفظ مع الصدق فيصح أن يقال في هذا أنه حسن باعتبار وجود الصفة الدنيا وهي الصدق مثلا صحيح باعتبار الصفة العليا وهي الحفظ والإتقان ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا يلتزم ذلك ويؤيده ورود قولهم هذا حديث حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين .

6- قول الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة: أوقعهم في هذه الحيرة جعلهم الحسن قسيم الصحيح … والذي يظهر أن الحسن في نظر الترمذي أعم من الصحيح، فيجامعه وينفرد عنه وأنه في معنى المقبول المعمول به، والذي يقول مالك في مثله: وعليه العمل ببلدنا، وما كان صحيحا ولم يعمل به لسبب من الأسباب يسميه الترمذي صحيحا فقط، وهو مثل ما يرويه مالك في موطئه ويقول عقبه: وليس عليه العمل، وكأن غرض الترمذي أن يجمع في كتابه بين الأحاديث وما أيدها من عمل القرون الفاضلة من الصحابة ومن بعدهم، فيسمي هذه الأحاديث المؤيدة بالعمل حسانا، سواء صحت أو نزلت عن درجة الصحة وما لم تتأيد بعمل لا يصفها بالحسن وإن صحت. قال هذا الذي يظهر لي قد استفدناه من مذاكرة بعض شيوخنا ومجالستهم .

7- قول ابن رجب الحنبلي:

فسر الحسن عند الترمذي فقال: الحديث الذي يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم إذا لم يكن أحد منهم متهماً، كله حسن بشرط أن لا يكون شاذاً مخالفاً للأحاديث الصحيحة، وبشرط أن يكون معناه قد روي من وجوه متعددة، فإن كان مع ذلك من رواية الثقات العدول الحفاظ، فالحديث حينئذ “حسن صحيح”، وإن كان مع ذلك من رواية غيرهم من أهل الصدق، الذين في حديثهم وهم وغلط، إما كثير، أو غالب عليهم، فهو حسن.

ثم قال: وعلى هذا التفسير الذي ذكرناه لكلام الترمذي إنما يكون الحديث صحيحاً حسناً إذا صح إسناده، برواية الثقات العدول، ولم يكن شاذاً، وروى نحوه من غير وجه، وأما الصحيح المجرد فلا يشترط فيه أن يروى نحوه من غير وجه، لكن لا بد أن لا يكون ـ أيضاً ـ شاذاً، فيكون حينئذ الصحيح الحسن أقوى من الصحيح المجرد.

والذي يظهر لي أن قول ابن رجب أقربها للصواب وأسلمها من الاعتراض وقد شرح سنن الترمذي شرحا تاما فخبر طريقة الترمذي واصطلاحه فيها وإن كان شرحه مفقودا لم يبق منه سوى شرح كتاب العلل.

ولكن يهون علينا الخلاف أن الأقوال كلها ترفع “الحسن الصحيح” عن الحسن: فبعضها يرفعه إلى درجة متوسطة بين الحسن والصحيح، وبعضها يرفعه إلى درجة الصحيح وبعضها يرفعه عن الصحيح .

 

 

 

 

هل يتعارض تعريف الترمذي للحديث الحسن مع قوله “حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه” ؟

شروط الحديث الحسن: 1- ألا يكون في إسناده متهم بالكذب. 2- ألا يكون شاذا. 3- أن يروى من غير وجه.

الشرط الأخير هذا يتعارض في الظاهر مع قول الترمذي في بعض الأحاديث هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد حاول بعض أهل العلم دفع هذا التعارض على أقوال:

قول ابن حجر: أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا، وإنما عرف نوعا خاصا منه وقع في كتابه، وهو ما يقول فيه: “حسن”، من غير صفة أخرى؛ وذلك أنه: يقول في بعض الأحاديث: “حسن”، وفي بعضها: “صحيح”، وفي بعضها: “غريب”، وفي بعضها: “حسن صحيح”، وفي بعضها: “حسن غريب”، وفي بعضها: “صحيح غريب”، وفي بعضها: “حسن صحيح غريب”، وتعريفه إنما وقع على الأول فقط .

ويعكر على هذا القول أن الترمذي قلما يعبر بالحسن فقط، وغالبا ما يعبر بحسن صحيح، أو حسن صحيح غريب أو حسن غريب فقلما يفرد الحسن، فالمتبادر للذهن أنه إذا عرف الحسن أن يصرف على كل ما قيل فيه حسن أو على النوع الأكثر دورانا في الكتاب لا على نوع قلما يتكرر في الكتاب.

قول ابن رجب وقريب منه قول الشيخ أحمد شاكر قال: وقول الترمذي رحمه الله يروى من غير وجه نحو ذلك، لم يقل عن النبي ﷺ فيحتمل أن يكون مراده عن النبي ﷺ ويحتمل أن يحمل كلامه على ظاهره، وهو أن يكون معناه يروى من غير وجه، ولو موقوفاً، ليستدل بذلك على أن هذا المرفوع له أصل يعتضد به. وهذا كما قال الشافعي في الحديث المرسل: إنه إذا عضده قول صحابي، أو عمل عامة أهل الفتوى به كان صحيحاً.

الوجه الثالث: أن يكون مراد الترمذي بوصف الحديث بالغرابة الغرابة النسبية لا الغرابة المطلقة، وفي هذه الحالة لا ينتفي أن يكون للحديث أكثر من وجه مع وجود الغرابة النسبية التي ترجع إلى تفرد بلد معين أو شخص عن شخص معين أو تفرد راو بوصف معين كوصف الثقة مثلا كما سبق في بحث الغريب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أنواع الضعيف ( المردود )

 

الضعيف أنواع كثيرة ، تتفاوت في شدة ضعفها ، فشرها الموضوع ( المكذوب ) وأخفها الضعيف .

ويمكن تقسيم الضعيف بحسب سبب ضعفه إلى أقسام: فمنها ما يرجع سبب ضعفه إلى الانقطاع، وهو فقد الشرط الأول من شروط الصحيح ، ومنها ما يرجع سبب ضعفه إلى فقد الشرط الثاني من شروط الصحيح وهو العدالة ، ومنها ما يرجع إلى فقد الضبط ، ومنها الشاذ والمعلل .

أولا : أنواع الضعيف بسبب فقد شرط الاتصال أو الانقطاع .

هناك قوادح أو نواقض للاتصال، إذا وجدت انعدم الاتصال وترتب عليها أنواع من الضعيف، وهي ستة أنواع من السقط، تتباين في مواضعها من السند، وتتفاوت في عدد الرواة الساقطين؛ وبالتالي في شدة ضعفها وهي كالتالي :

1- المعلق

الحديث المعلق: هو ما حذف من مبدأ إسناده راو فأكثر .

وقد يحذف السند كله فيقال : قال النبي ﷺ . ومبدأ السند هو الجهة التي فيها المصنف . والمعلق حديث ضعيف لفقد شرط الاتصال ولكن هذا الحكم قد يختلف إن وجد في الصحيحين كما سيأتي .

 

  • معلقات الصحيحين :

– أما صحيح مسلم: فكل ما فيه من المعلقات موصول في موضع آخر سوى حديث واحد وهو حديث أبي الجهيم ( أقبل رسول الله ﷺ من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله ﷺ عليه، حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام ) وهذا الحديث صحيح؛ وقد خرجه البخاري موصولا. ومع ذلك فلم يكثر مسلم من التعليق فقيل فيه 13 حديثا. وقال ابن حجر الذي فيه بصيغة التعليق ستة فقط والباقي مبهم لا معلق .

معلقات البخاري : الأحاديث المرفوعة المعلقة عند البخاري قسمان: إما وصلها في موضع آخر، وإما لم يوردها في صحيحه إلا معلقة .

– أما القسم الأول : فالسبب في تعليقه أن البخاري لا يكرر شيئا في صحيحه إلا لفائدة، وقد كان يعنى بالاستنباط الفقهي؛ فإن اشتمل المتن على أحكام واحتاج إلى تكريره قطعه في الأبواب إن كانت جمله يمكن انفصالها، ومع ذلك فلا يكرر الإسناد بل يغاير بين رجاله إما شيوخه أو شيوخ شيوخه ونحو ذلك ، فإن ضاق عليه مخرج الحديث ؛ ولم يكن له إلا مخرج واحد ؛ فإما أن يختصر المتن ، أو يختصر السند .

– أما القسم الثاني : وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا فهو على نوعين :

النوع الأول : ما علقه مجزوما به ( صيغة الجزم مثل : قال – روى – حكى- ذكر ) وهذا النوع صحيح إلى من علقه عنه، وبقي النظر فيما أبرز من رجاله.

فبعضه يلتحق بشرطه: والسبب في تعليقه له إما لكونه لم يحصل له مسموعا، وإنما أخذه على طريق المذاكرة أو الإجازة، أو كان قد خرَّج ما يقوم مقامه فاستغنى عن إيراده مستوفي السياق، أو لمعنى غير ذلك.

وبعضه يتقاعد عن شرطه وإن صححه غيره أو حسنه.

وبعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع خاصة، ولكنه منجبر بأمر آخر .

النوع الثاني : ما علقه بصيغة التمريض ( صيغة التمريض مثل : قيل – رُوي – ذُكر – حُكي)ولا يوجد فيه ما يلتحق بشرطه إلا مواضع يسيرة وقد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى كما قال العراقي .

وبعضه صحيح وإن تقاعد عن شرطه .

وبعضه حسن .

وبعضه ضعيف ينجبر بأمر آخر .

وبعضه ضعيف لا يرتقي عن مرتبة الضعف، وهذا يبينه البخاري ويصرح بضعفه حيث يورده  في كتابه .

أما الأحاديث الموقوفة : فإنه يجزم بما صح عنده، ولو لم يبلغ شرطه، ويمرض ما كان فيه ضعف أو انقطاع .

 

 

 

2- المرسل

الحديث المرسل: هو ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي .

وآخر الإسناد : هو طرفه الذي فيه الصحابي .

وقولنا “من بعد التابعي” أوسع من أن يكون المراد الصحابي فقط، بل تشمل سقوط الصحابي ومعه تابعي وتشمل سقوط الصحابي ومعه تابعيان أو أكثر .

وآفة المرسل : هو الجهل بحال المحذوف أو الساقط، وهذا الساقط إن كان صحابيا فقط، فلا ضير فالصحابة كلهم عدول، وإن كان الساقط صحابيا ومعه تابعي فأكثر فاحتمال أن يكون التابعيون غير ثقات وارد؛ وقد وجد فيهم الكذب.

ولهذا فمن الخطأ أن نفهم “من بعد التابعي” على أنها الصحابي أو نبدلها بكلمة “الصحابي” كما فعل بعضهم، فقال : المرسل ما سقط منه الصحابي ، فهذا التعريف قاصر كما ترى .

  • فائدة : أخذ التابعي عن التابعي موجود في السنن وقد يجتمع في الحديث الواحد أكثر من تابعي ، وأكثر ما وجد من ذلك ستة من التابعيين اجتمعوا في حديث واحد هو حديث ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرءان ) وقد صنف فيه الخطيب البغدادي جزءا سماه حديث الستة من التابعين .

– جمهور المحدثين على أن التابعي سواء كان صغيرا كالزهري أو كبيرا كسعيد بن المسيب إن أضاف شيئا إلى النبي ﷺ فهو مرسل، لا فرق من حيث التسمية، ولكن من حيث القوة فمرسل التابعي الكبير أقوى؛ ويسهل جبره والتقوية به؛ لأن الساقط في الغالب يكون صحابيا فقط، بخلاف التابعي الصغير، فإن الغالب سقوط صحابي وتابعي آخر؛ ويرجع ذلك لأن غالب رواية التابعي الصغير تكون عن التابعين، وقلما يروي عن صحابي؛ ولذلك اشترط الشافعي في تقوية المرسل أن يكون من رواية كبار التابعين .

– حكم المرسل : نقل أبو بكر الجصاص وأبو الوليد الباجي الإجماع على عدم قبول مرسل الراوي الذي يرسل عن الثقات وغيرهم .

أما التابعي الذي عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة : فقول المالكية والحنفية ورواية عن أحمد قبول مرسله مطلقا .

ومذهب المحدثين وأحد قولي أحمد التوقف في مرسله .

أما قول الشافعي : فاشترط :1- مع كونه لا يرسل إلا عن ثقة.

2- أن يكون من كبار التابعين.

3- وأن يكون ثقة في نفسه؛ إذا شاركه الثقات لم يخالفوه.

4- وأن ينضم إلى ذلك أحد هذه الوجوه الأربعة التالية :

أ‌- أن يُروى من وجه آخر مسندا ولو ضعيفا .

ب‌- أن يُروى من وجه آخر مرسلا ،أرسله من أخذ العلم عن غير شيوخ المرسل الأول، ( وذلك لئلا يرجع الوجهان إلى راو واحد )

ج‌- أن يوافق قول صحابي .

د‌- أن يفتي بمقتضاه غالب أهل العلم .

ويجدر بنا أن نقول أن هذه الوجوه الأربعة مرتبة بحسب قوتها؛ فأولها أقواها؛ ورابعها أضعفها .

كما أن الوجهين الأخيرين لا يقويان الحديث المرسل كحديث ينسب للنبي ﷺ ولكن كحكم شرعي .

 

3- المنقطع

قد تستعمل كلمة المنقطع بمعنى عام شامل لكل انقطاع من الأنواع الستة فيسمى المعلق منقطعا وكذا المرسل وسائر الأنواع ولكنه في هذا الموضع يطلق على نوع بعينه من أنواع الانقطاع كما يلي :

تعريفه : ما سقط من وسط إسناده راو فأكثر، بشرط ألا يكونوا على التوالي.

فيشترط أن يكون السقط من وسط الإسناد، لا من أوله؛ فيختلط بالمعلق، ولا من آخره؛ فيختلط بالمرسل، ولا بأكثر من راو على التوالي؛ فيختلط بالمعضل، ولكن قد يوجد سند به انقطاع في موضعين أو أكثر، فإذا كان البخاري يروى عن القعنبي عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها، فوجد مرويا عن القعنبي عن الزهري؛ فهو منقطع في موضع واحد ، وإن وجد عن القعنبي عن الزهري عن عائشة رضي الله عنها؛ فهو منقطع في موضعين، وهو في الحالين لا يشمله اسم المعلق ولا المرسل ولا المعضل .

 

 

4- المعضل

تعريفه : ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي .

وكما ترى من التعريف فإنه لا يشترط في المعضل أن يكون في أول السند ولا في آخره ولا وسطه ؛ فلذلك قد يجتمع مع المعلق إذا كان الساقط اثنين من أول السند، وقد يجتمع مع المرسل إذا كان الساقط اثنين من آخر السند، ويفترق عن المنقطع بأنه لابد فيه من سقوط اثنين على التوالي، ولا يشترط وجوده في وسط السند .

ففي المثال الماضي : لو قال البخاري : قال الزهري فهو معلق ومعضل؛ لأنه حُذف منه اثنان ( القعنبي ومالك )، ولو روى عن الزهري عن النبي ﷺ ؛ فهو مرسل ومعضل في آن واحد ، وكذا حال سائر مراسيل صغار التابعين .

ولو روي عن القعنبي عن عروة عن عائشة رضي الله عنها؛ فهو معضل فقط؛ لأنه سقط من وسط السند اثنان ( مالك والزهري ) .

– ما مضى هو صورة واحدة من صور المعضل، وهناك صورة أخرى وهي أن يكون الحديث مرويا مسندا موصولا إلى النبي ﷺ ، ثم يأتي تابع التابعي فيوقفه على التابعي من قوله .

مثاله : إذا كان الحديث يُروى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ فوجد من طريق آخر عن الزهري عن عروة من قوله لا يرفعه ولا يرسله فهو معضل .

– ثم لتعلم أن بعض العلماء المتقدمين، مثل الذهلي والجوزجاني والنسائي أُثر عنهم إطلاق لفظ المعضل على ما لم يسقط منه أحد مما اشتد ضعفه، فكان استعمالهم للمعضل أقرب ما يكون بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي .

 

5- المرسل الخفي

تعريفه: هو أن يروي عمن لقيه أو عاصره ولم يسمع منه بلفظ يحتمل السماع وغيره كعن وقال .

فالراوي والمروي عنه تعاصرا أو التقيا، ولكن لم يثبت سماع الأول من الثاني؛ فلذلك روايته عنه مرسلة ( منقطعة ) ، ولكنه إرسال خفي؛ بسبب تعاصرهما الذي هو مظنة السماع .

مثاله : حالي وحال كثير من طلبة العلم مع الشيخ الألباني؛ فقد عاصرته ولكن لم أسمع منه مباشرة ، فلو رويت عنه لكان إرسالا خفيا ولا يثبت الاتصال حتى أسمي الواسطة بيني وبينه .

تنبيه : سماع الأشرطة والاسطوانات المدمجة لا يعد سماعا مباشرا يثبت الاتصال والسماع عند المحدثين .

 

 

 

6- التدليس

التدليس أنواع كثيرة، ولكن أهمها وأكثرها وقوعا ثلاثة :

1- تدليس الإسناد : وهو أن يروي عمن سمع منه، ما لم يسمع بلفظ يحتمل السماع وغيره كعن وقال .

فالراوي هنا يروي عن شيخه الذي سمع منه أشياء لم يسمعها منه، وإنما سمعها بواسطة أو أكثر عنه، ولكنه يسقط هذه الواسطة، ويروي عن شيخه مباشرة مستخدما في ذلك صيغة لا توقعه في الكذب، مثل عن وقال ؛ فإنها تحتمل السماع المباشر وتحتمل عدم السماع ( كما نقول عن أبي هريرة ولم نسمع منه ولا نُتهم بالكذب) .

– الفرق بينه وبين المرسل الخفي : كل من المدلس والمرسل إرسالا خفيا يروي حديثا لم يسمعه ممن يروي عنه، ولكن المدلس يكون له سماع في غير هذا الحديث ممن يروي عنه، بخلاف المرسل إرسالا خفيا فإنه لا يكون له سماع ممن يروي عنه، وإن عاصره وإن لقيه .

وهذا التفريق هو ما تبناه ابن حجر وذكره عن بعض أهل العلم وإلا فإن كثيرا من أهل العلم لا يفرق بينهما ويسمي الكل تدليسا.

2- تدليس التسوية : هو إسقاط ضعيف بين ثقتين سمع أحدهما من الآخر .

فالراوي هنا لا يسقط شيخه، بل ربما صرح بالسماع منه، لكنه يسقط الواسطة الضعيفة ( في الغالب ) بين شيخه وشيخ شيخه، ويكون شيخه سمع ممن فوقه، وهما مع ذلك ثقتان؛ فيصير السند مجودا بالثقات والسماع؛ ولذلك يطلق على هذا التدليس أيضا تدليس التجويد، ويقال جوده فلان أو سواه فلان؛ إذا فعل هذا النوع من التدليس .

وممن كان يفعله الوليد بن مسلم، فإنه كان يسقط شيوخ الأوزاعي ـ شيخه ـ الضعفاء، فيجعله عن الأوزاعي عن ثقة، ويسقط ذكر الواسطة الضعيفة بينهما .

3- تدليس الشيوخ : هو أن يسمي الراوي شيخه، أو يكنيه أو ينسبه بما لا يعرف به؛ كي لا يعرف .

في هذا التدليس لا يسقط الراوي أحدا من السند، ولكنه يعمي اسم شيخه المشهور، ويسميه أو يكنيه بما لا يشتهر به تعمية لأمره .

وممن كان يفعل ذلك سفيان الثوري، وقيل عن الخطيب البغدادي أيضا .

وهذه هي أكثر أنواع التدليس وقوعا في الأسانيد. ويلحق بعض أهل العلم نوعا آخر من التدليس بتدليس الشيوخ وهو :

4- تدليس البلدان : وذلك كأن يقول الراوي : حدثني فلان فيما وراء النهر؛ فيظن السامع أنه رحل وسمع من شيخه في بلاد ما وراء النهر، في حين أنه يقصد بالنهر “مجرى الماء” الذي في بلده .

5- تدليس العطف : من أنواع التدليس النادرة التي ربما لم تقع إلا مرة واحدة. وهو أن يصرح بالسماع من شيخه، ثم يعطف عليه آخر لم يسمع منه موهما أنه سمع منهما جميعا، وهو إنما سمع من الأول ثم نوى القطع وعطف عليه الثاني .

مثاله : ما يروى عن هشيم أن أصحابه اجتمعوا يوما علي ألا يأخذوا عنه إلا ما صرح فيه بالسماع، فكأنه فطن لذلك فكان يقول : حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم، فلما فرغ قال: هل دلست لكم اليوم ؟ فقالوا : لا ، فقال : لم أسمع من مغيرة حرفا واحدا مما ذكرته وإنما قلت : حدثني حصين ومغيرة غير مسموع لي .

6- تدليس القطع أو السكوت : وهو أن يصرح الراوي بالسماع، ثم يسكت ثم يقول فلان عن فلان موهما السماع ممن ذكر .

مثاله : ما يروى عن عمر بن علي المقدمي أنه كان يقول  سمعت وحدثنا ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة و الأعمش .

وألحق بعضهم بهذا النوع نوعا آخر وهو :

7- تدليس حذف الأداة : وهو أن يحذف أداة الرواية بينه وبين شيخه .

مثاله : ما روي علي بن خشرم قال : كنا عند ابن عيينة فقال : الزهري ، فقيل له : حدثك ؟ فسكت ثم قال : الزهري فقيل له : سمعته منه ؟ فقال : لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه منه؛ حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري .

حكم التدليس : مكروه وبالغ شعبة في الزجر عنه فقال : التدليس أخو الكذب .

وأشده كراهة تدليس التسوية؛ لما فيه من الغرر الشديد، وأقله كراهة تدليس الشيوخ؛ لأن غاية ما فيه هو توعير الوصول إلى حال المروي عنه، وربما آل الأمر إلى تجهيله.

– مع كراهة التدليس فإنه يقدح في الرواية، ولا يقدح في الراوي نفسه، والشاهد على ذلك إخراج الشيخين لجماعة من المدلسين، ولا يطعن في عدالة المدلسين بسبب تدليسهم .

– حكم رواية المدلس : تقبل إن صرح بالسماع (كأن يقول: سمعت، حدثني، أخبرني) وإن لم يصرح بالسماع ؛ فيتوقف فيها ولا تقبل ، مع مراعاة التصريح بالسماع في جميع طبقات السند في تدليس التسوية .

 

ثانيا : أنواع الضعيف بسبب فقد العدالة

( قوادح العدالة وما يترتب عليها من أنواع الضعيف )

 

1- الكذب

والمراد به تعمد الكذب على النبي ﷺ . ويترتب على وجوده الحديث الموضوع (المكذوب). والكذب هو أشد أنواع الطعن في الراوي والحديث الموضوع هو شر أنواع الضعيف .

وهو أعم من أن يكون اختلاق متن ونسبته للنبي ﷺ بل يشمل أيضا تعمد الكذب في الأسانيد؛ فإبدال حديث راو براو آخرـ وهو ما يعرف بسرقة الحديث ـ يعد كذبا أيضا؛ وفاعله يدخل في زمرة الكذابين في الحديث .

أما الكذب في الحديث مع الناس فلا يعد فاعله كذابا في الحديث النبوي، ولا يعد حديثه موضوعا، وإن كان متروك الحديث، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

دواعي الوضع ( الكذب ) :

1- الانتصار للمذهب العقدي أو الفقهي : فكل فرقة كانت تختلق من الأحاديث ما يؤيد مذهبها وكان أكثرها كذبا الشيعة والروافض وأقلها الخوارج .

فمن كذب الشيعة : ( عليٌّ خير البشر من شك فيه كفر ) .

أما الانتصار للمذهب الفقهي فهو من صنيع جهال المتعصبة، مثل ما فعله المأمون بن أحمد لما رأى انتشار المذهب الشافعي، وانحسار المذهب الحنفي؛ فنسب زورا  للنبي ﷺ: ( أبو حنيفة سراج أمتي ويكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس )

2- التقرب للحكام : مثل غياث بن إبراهيم النخعي مع المهدي حين دخل عليه وهو يلعب بالحمام؛ فساق بسنده على التو إلى النبي ﷺ أنه قال : ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح ) فزاد كلمة “جناح” لأجل المهدي، فعرف المهدي ذلك؛ فأمر بذبح الحمام؛ وقال: أنا حملته على ذلك ، وقال : أشهد على قفاك أنه قفا كذاب .

3- الطعن في الإسلام : وذلك من بعض الزنادقة على سبيل الكيد للإسلام، مثل حديث : ( أنا خاتم الأنبياء لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله ).

4- التقرب إلى الله تعالى : وذلك من بعض المتعبدين من المتصوفة والكرامية، فقد نقل عنهم إباحة الوضع في الترغيب والترهيب، لترغيب الناس في الخير وترهيبهم من الشر، وهو جهل فاضح؛ لأن الترغيب والترهيب من جملة الأحكام الشرعية التي الأصل فيها التوقف حتى يأتي الدليل الصحيح الناقل عنه .

 

2- التهمة بالكذب

يتهم الراوي بالكذب لسببين هما :

أ‌- ألا يُروى الحديث إلا من جهته ويكون مخالفا للقواعد المعلومة .

ب‌- أن يعرف بالكذب في كلامه وإن لم يظهر منه في الحديث النبوي .

ويترتب على التهمة بالكذب وجود نوع من أنواع الضعيف وهو :

المتروك : وهو ما وجد في سنده راو متهم بالكذب ، وهو دون الموضوع في شدة الضعف وأخف منه المنكر وإن كان يجمعهم الثلاثة شدة الضعف فلا يصلح منهم شيء في شواهد ولا متابعات فضلا عن الاحتجاج .

 

3- فسق الراوي

الفسق: وهو فعل الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة ، وإن وجد في الراوي فحديثه منكر .

المنكر : هو الحديث الذي في سنده راو فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه.

– ويلاحظ أن راوي المنكر شديد الضعف فهو إما فاسق أو شديد الغفلة أو فاحش الغلط .

– وللمنكر تعريف آخر وهو : ما رواه الضعيف مخالفا لما رواه الثقة .

وهذا التعريف لا يشترط في راويه شدة الضعف كما الأول, ولكنه أضيف إليه سبب آخر للضعف, وهو مخالفة الثقة، فآل الأمر إلى شدة الضعف باجتماع العلتين ( الضعف والمخالفة ) .

وهذا التعريف الأخير هو الذي شهره ابن حجر, وتبعه عليه أكثر من جاء بعده, ولم يكد يُعرف قبل ابن حجر .

 

4- جهالة الراوي

وهي عدم معرفة الراوي بجرح ولا تعديل ، ولها سببان :

1- كثرة نعوت الراوي من اسم أو كنية أو لقب, فيشتهر بشيء منها، فيذكر بغير ما اشتهر به؛ فيظن أنه آخر؛ فيحصل الجهل بحاله كما في تدليس الشيوخ .

2- قلة روايته فلا يكثر الأخذ عنه ، وقد صنفوا فيه الوحدان .

– أنواعه :

1- مجهول العين : وهو من لم يرو عنه إلا واحد ولم يوثق .

2- مجهول الحال : من روى عنه اثنان فأكثر ولم يوثق .

3- المستور : بعض العلماء لا يفرق بينه وبين مجهول الحال, ومنهم من فرق فجعل المستور : من علمت عدالته الظاهرة .

4- المبهم : بعض العلماء يعده من أنواع المجهول ، وهو من لم يصرح باسمه في الحديث مثل : ( رجل ، فلان ، امرأة ، ثقة ………….)

– وكل هذه الأنواع من أنواع الضعيف، وليس لها اسم خاص بها إلا المبهم، وهو أشدها ضعفا، يليه مجهول العين، ثم مجهول الحال والمستور .

 

5- البدعة

هي طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية, يراد بها المبالغة في التقرب إلى الله تعالى ، والمقصود به هنا البدعة الاعتقادية لا العملية .

وهي إما مكفرة، وإما غير مكفرة :

– البدعة المكفرة : هي اعتقاد ما يستلزم الكفر، مثل اعتقاد حلول الله تعالى في شيء من خلقه ، وهذه حكى ابن الصلاح والنووي الإجماع على عدم قبول رواية صاحبها .

– البدعة غير المكفرة : هي من لا يكفر صاحبها، كتأويل بعض صفات الله تعالى ، وقد اختلف في حكمها على ثلاثة أقوال :

1- الرد مطلقا : لأنه فاسق ببدعته، وهو قول مالك.

2- تقبل بشرطين :

أ‌- ألا يكون داعية إلى بدعته .

ب‌- ألا يروي ما يؤيد بدعته ، وهو قول الأكثرين .

3- تقبل مطلقا إلا إن اعتقد حل الكذب ، وهو قول الشافعي وابن المديني، وهو صنيع البخاري ومسلم؛ فقد خرجا لقيس بن أبي حازم ـ وكان يحمل على عليٍّ رضي الله عنه ـ عن عمرو بن العاص يرفعه ( ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء, إنما وليي الله وصالح المؤمنين ) .

وخرجا لعدي بن ثابت قاص الشيعة, وإمام مسجدهم وروى له مسلم عن علي  مرفوعا : ( والذي فلق الحبة وبرأ النسمة, إنه لعهد النبي الأمي إليّ, أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ) .

وقد خرج البخاري لعمران بن حطان الخارجي الداعي إلى بدعته حديثين, وهو من امتدح قاتل علي بن أبي طالب بقوله :

يا ضربة من تقي ما أراد بها                   إلا من ذي العرش رضوانا

إني لأذكره يوما فأحسبـــــــه                  أوفى البرية يوم العرض ميزانا

– فنقبل حديث المبتدع وإن كان داعية إلى بدعته, وإن روى شيئا يؤيد بدعته, مادام ثقة في نفسه, لا يرى حل الكذب على النبي ﷺ ونرد عليه فهمه الذي فهمه من هذه الأحاديث.

 

 

 

 

 

 

ثالثا :أنواع الضعيف بسبب عدم الضبط

(قوادح الضبط وما يترتب عليها من أنواع الضعيف)

ذكر ابن حجر للضبط خمسة قوادح هي: فحش الغلط،كثرة الغفلة،الوهم، مخالفة الثقات ، سوء الحفظ .

– فأما فحش الغلط وكثرة الغفلة, فهما من أسباب الحكم على الحديث بالنكارة وقد سبق الكلام على المنكر .

– وأما الوهم فيترتب عليه الحديث المعلل, وسيأتي الكلام عليه قريبا .

– وأما مخالفة الثقات فيترتب عليه خمسة أنواع من الضعيف هي :

المدرج ،المقلوب ، المزيد في متصل الأسانيد ، المصحف ، المضطرب.

 

1- المدرج

تعريفه : هو ما غير سياق إسناده أو أدخل في متنه ما ليس منه .

وهو قسمان : مدرج الإسناد ومدرج المتن .

أ‌- مدرج الإسناد : وهو ما غير سياق إسناده, وله أربع صور نذكر منها :

  • أن يسوق الراوي الإسناد ثم يعرض له عارض؛ فيقول كلاما من قبل نفسه, فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد؛ فيرويه عنه كذلك .

وقد وقع مثل ذلك لثابت بن موسى الزاهد في حديث ( من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ) فقد دخل على شريك بن عبد الله القاضي وهو يملي الحديث ويقول :  حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله ﷺ ، وسكت ليكتب المستملي, فلما نظر إلى ثابت قال مداعبا له : ( من كثرت صلاته بالليل، حسن وجهه بالنهار ) وذلك لزهد ثابت وورعه, فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد؛ فكان يحدث به كذلك . أما المتن الصواب لهذا الإسناد فهو ( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ……….. الحديث ) كما ذكر ابن حبان .

ب‌- مدرج المتن : وهو أن يقع في المتن كلام ليس منه .

ـ ويقع في أول الحديث, مثل حديث أبي هريرة قال :قال رسول الله ﷺ : ( أسبغوا الوضوء, ويل للأعقاب من النار ) فقوله “أسبغوا الوضوء” مدرج من كلام أبي هريرة ، فقد جاء في رواية البخاري : عن أبي هريرة قال : أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم ﷺ قال : ( ويل للأعقاب من النار ) .

– ويقع في وسط الحديث, مثل حديث عائشة في بدء الوحي : ( كان النبي ﷺ يتحنث في غار حراء – وهو التعبد – الليالي ذوات العدد ) فقوله ( وهو التعبد ) مدرج من كلام الزهري .

– ويقع في آخر الحديث, مثل حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ ( للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله, والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك ) فقوله ( والذي نفسي بيده … إلى آخره ) من كلام أبي هريرة, ولا يمكن أن يتمنى النبي ﷺ الرق, كما أن أمه لم تكن موجودة حتى يبرها .

– ويدرك الإدراج بأمور :

1- ورود رواية مفصلة للقدر المدرج فيه.

2- التنصيص على ذلك من الراوي, أو من بعض الأئمة المطلعين .

3- استحالة كون النبي ﷺ يقول ذلك .

– وقد صنف فيه الخطيب البغدادي فيه كتاب ” الفصل للوصل المدرج في النقل ” ولخصه وزاد عليه ابن حجر في كتاب ” تقريب المنهج بترتيب المدرج ” .

 

2- المقلوب

تعريفه:إذا كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أو إبدال لفظ بآخر في سند الحديث أو متنه فهذا هو المقلوب .

– ويقع في السند على صورتين :

1- التقديم والتأخير في اسم الراوي وأبيه مثل : كعب بن مرة يقلب إلى مرة بن كعب .

2- إبدال راو براو آخر بقصد الإغراب مثل: حديث مشهور عن سالم يجعله عن نافع ويسمى ذلك بسرقة الحديث حال التعمد .

– ويقع في المتن على ثلاث صور منها :

1- التقديم والتأخير في بعض المتن مثل : حديث أبي هريرة عند مسلم (سبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ذكر فيه  (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ) والصواب ( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) كما في الصحيحين .

2- زيادة بعض المتون في بعض النسخ المشهورة بسند واحد مثل : نسخة معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة .

– ويكون القلب بقصد الإغراب عمدا على سبيل الكذب, وقد يكون بقصد الامتحان, كما فعل أهل بغداد مع البخاري, ويكون على سبيل الخطأ والوهم, وفي حال كثرته فإنه يؤول بصاحبه إلى الضعف .

– وقد صنف الخطيب البغدادي فيه كتاب “رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب” وهو غير مطبوع ولا يعلم له وجود .

 

3- المزيد في متصل الأسانيد

تعريفه : إذا خالف الراوي الثقات فزاد راويا على سبيل الخطأ في سند متصل فهو المزيد في متصل الأسانيد .

– مثاله : إذا روى معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.

وكان الصواب: رواية مالك وسفيان عن الزهري عن ابن عمر.

فرواية معمر خطأ ووهم منه، حيث زاد “سالما” في سند متصل بغيره؛ فروايته من المزيد في متصل الأسانيد، وقد تبين خطأ معمر من خلال جمع الروايات, حيث وجد من هم أتقن منه وأرجح قد رووها بغير زيادة وهم مالك وسفيان .

– ولا يشترط التصريح بالسماع في موضع الزيادة لكي نحكم على الرواية المقابلة بأنها من المزيد؛ إذ قد يوجد التصريح بالسماع ويحمل على سماع الراوي الحديث مرتين, مرة بواسطة وأخرى بغيرها .

– وقد صنف الخطيب البغدادي فيه “المزيد في متصل الأسانيد” .

 

4- المصحف

تعريفه :إذا خالف الراوي الثقات فغير في نقط حروف الكلمة أو شكلها فهذا هو المصحف .

– ويقع في السند مثل : تصحيف يحيى بن معين في حديث شعبة عن العوام بن مراجم, فقال العوام بن مزاحم .

– ويقع في المتن مثل: تصحيف ابن لهيعة لحديث زيد بن ثابت ( أن النبي ﷺ احتجر في المسجد ) صحفه إلى ( احتجم في المسجد ) .

– ويكون سببه رداءة سمع أو بصر :

  • تصحيف السمع مثل: تصحيف “عاصم الأحول” إلى “واصل الأحدب”.
  • تصحيف البصر مثل: تصحيف “شيئا من شوال” إلى “ستا من شوال”.

– وينقسم التصحيف إلى تصحيف لفظ وتصحيف معنى :

  • تصحيف اللفظ وهو الغالب ومثاله في الأنواع السابقة .
  • تصحيف المعنى: وذلك بان يبقي الراوي اللفظ على حاله، ولكنه يفهمه فهما خاطئا .

مثاله : قول أبي موسى العنزي 🙁 نحن قوم لنا شرف؛ نحن من عَنَزَةَ؛ وقد صلى النبي ﷺ إلينا ) يريد ما روي ( أن النبي ﷺ صلى إلى عَنَزَةَ ) فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم، وإنما العنزة هنا هي الحربة تنصب بين يدي المصلي كسترة .

– وقد فرق ابن حجر بين المصحف والمحرف، فخص الأول بما كان في نقط الحروف مع بقاء صورتها ، والثاني بما كان في شكل الحروف مع بقاء صورتها .

 

5-المضطرب

تعريفه : وهو ما روي على أوجه متساوية في القوة .

ومن التعريف يظهر أن المضطرب يشترط فيه أمران :

1- اختلاف روايته بحيث لا يمكن الجمع بينها .

2- تساوي الروايات في القوة بحيث لا يمكن الترجيح  بينها .

فإن اختل أحد هذين الشرطين زالت صفة الاضطراب، كأن يمكن الجمع بين الروايات؛ فلا إشكال حينئذ، أو ترجح إحدى الروايات؛ فيعمل بها ويترك ما سواها .

– ويقع الاضطراب في السند والمتن :

  • مضطرب السند : مثل له ابن حجر بحديث ( شيبتني هود وأخواتها )؛ فقد اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي، فقيل عنه عن عكرمة عن أبي بكر، ومنهم من زاد فيه ابن عباس، وقيل عنه عن أبي جحيفة عن أبي بكر ، وقيل عنه عن البراء عن أبي بكر ، وقيل عنه عن أبي ميسرة عن أبي بكر ، وقيل عنه عن مسروق عن أبي بكر ، وقيل عنه عن مسروق عن عائشة عن أبي بكر، في أوجه كثيرة متعارضة لا يمكن الجمع ولا الترجيح بينها .
  • مضطرب المتن : مثاله حديث شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت : سألت النبي ﷺ عن الزكاة فقال : ( إن في المال لحقا سوى الزكاة ) فقد روي بنفس السند بلفظ ( ليس في المال حق سوى الزكاة ) فهذا اضطراب في المتن لا يحتمل التأويل أي الجمع كما قال العراقي .

 

سوء الحفظ ( القادح الخامس من قوادح الضبط )

– سيء الحفظ عرفه ابن حجر بأنه: من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه.

فإن كان سوء الحفظ ملازما للراوي في جميع أحواله؛ فحديثه الشاذ على رأي بعض أهل الحديث .

وإن كان سوء الحفظ طارئا عليه لكبره ، أو لذهاب بصره ، أو لاحتراق كتبه أو عدمها فحديثه المختلط .

– حكم رواية المختلط : ما حدث به قبل الاختلاط يقبل، وما حدث به بعد الاختلاط لا يقبل، وكذا ما لم يتميز هل حدث به قبل الاختلاط أو بعده يتوقف فيه ويؤول إلى الرد .

– يتميز حديث المختلط من خلال الرواة عنه، فبعضهم أخذ عنه قبل الاختلاط وبعضهم بعده وبعضهم في الحالين .

 



الملفات المرفقة
الملف مشاهدة تنزيل